منتدى شباب الاقتصاديين المصريين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الكارثة المالية القادمة

اذهب الى الأسفل

الكارثة المالية القادمة Empty الكارثة المالية القادمة

مُساهمة من طرف mahmoud_H2010 الأربعاء نوفمبر 25, 2009 7:15 am

الكارثة المالية القادمة
ترجمة وعرض‏/‏ شريفة عبد الرحيم


حذر المحلل الاقتصادي فريد بيرجستن من وقوع كارثة مالية جديدة إذا لم تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات اللازمة لتقليص عجزها المتضخم ولتوازن الميزانية وخفض الدولار‏,‏ وقال في مقال نشرته مجلة فوريين افيرز إن جهود الإصلاح التي تقوم بها الولايات المتحدة للتعافي من الأزمة الحالية لا تكفي وأنه يتعين وضع سياسات جديدة من أجل تجنب تفاقم الديون الخارجية‏,‏ إعادة التوازن للميزانية‏,‏ والتأقلم مع نظام صرف عالمي أقل اعتمادا علي الدولار‏.‏ وأضاف فريد ان تنفيذ تلك الإجراءات قد يستغرق عدة سنوات لكن ينبغي البدء فيها فورا لاستعادة الثقة في عودة الانتعاش وبناء القواعد الأساسية لاقتصاد أمريكي قوي‏.‏ واعتبر أن هذا أمر يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي وليس أمرا اقتصاديا فقط‏,‏ وعدم التحرك الآن فيه خطورة كبيرة‏.‏

ويقول الكاتب في مقاله إن العجز التجاري وعجز الحساب الجاري للولايات المتحدة قد انخفض بصورة ملحوظة خلال السنوات الثلاث الماضية ولكن في ظل غياب سياسة اقتصادية جديدة سليمة فقد بدأت العجوزات ترتفع من جديد وإلي مستويات قياسية وأكثر‏.‏ أما بالنسبة للدولار فإن دوره كعملة دولية مهيمنة قد ساعد الولايات المتحدة علي تمويل عجزها التجاري مع بقية العالم خلال الثلاثين سنة الماضية‏.‏و قد تبين ان هذه التدفقات الهائلة من النقد الأجنبي كانت سببا في وقوع الأزمة الاقتصادية الحالية لانها دعمت انخفاض أسعار الفائدة‏,‏ والسيولة المفرطة وتراخي السياسات النقدية هذا بالاضافة الي ضعف الرقابة المالية‏.‏

ومن المعروف ان تضخم العجوزات الخارجية الامريكية يمثل خطورة كبيرة علي الاقتصاد الامريكي لأنه في وقت ما قد يهوي بالدولار ويرفع اسعار الفائدة وربما يؤدي الي هبوط حاد للاقتصاد الامريكي والعالمي‏,‏ ولكن الآن اصبح من الواضح ان استمرار تمويل الاجانب للعجز الامريكي قد يضر بالاقتصاد الامريكي بنفس القدر ان لم يكن بصورة اكبر‏.‏

وهكذا لابد ان يدرك السياسيون الأمريكيون ان العجوزات الضخمة‏,‏ هيمنة الدولار‏,‏ وتدفقات رأس المال الكبيرة ليست في مصلحة الولايات المتحدة وينبغي علي الادارة الامريكية ان تشجع المبادرات التي اقترحتها الصين ودول اخري خلال العام الماضي من اجل اصلاح النظام النقدي العالمي‏.‏

وحسب توقعات ادارة اوباما فإنه خلال العشر سنوات المقبلة سيزيد عجز الميزانية وذلك بسبب الأزمة الحالية وبسبب ارتفاع أعداد المتقاعدين‏,‏ كما يتوقع معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية الدولية تدهور الاوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة في ضوء ارتفاع عجز الحساب الجاري من‏6%‏ من إجمالي الناتج المحلي الي ما يزيد علي‏15%(‏ اكثر من‏5‏ تريليونات دولار سنويا‏)‏ بحلول‏2030‏ وارتفاع صافي الدين من‏305‏ تريليونات دولار الآن الي‏50‏ تريليون دولار‏(‏ ما يساوي‏14%‏ من إجمالي الناتج المحلي واكثر من‏700%‏ من الصادرات‏)‏ بحلول‏2030‏ والولايات المتحدة هكذا سوف تحول‏7%(205‏ تريليونات دولار‏)‏ من إجمالي ناتجها الاقتصادي سنويا الي الاجانب لتسديد فوائد الدين الخارجي‏.‏

وهذا السيناريو الكئيب يهدد الولايات المتحدة فاذا ما استمر العالم مرة اخري في تمويل العجوزات الخارجية الهائلة للولايات المتحدة سوف تتكرر الازمة وسوف تنهار قيمة الدولار وحتي اذا ما حالف الولايات المتحدة الحظ وتمكنت من تجنب وقوع أزمة مستقبلية فإن استمرار ارتفاع عبء خدمة الدين الخارجي سوف يؤثر علي مستوي معيشة الأمريكيين‏.‏

وهكذا يري الكاتب أنه يتعين علي الحكومة الامريكية العمل علي الحد من هذه العجوزات في المستقبل ويقول إن إدارة أوباما قد أعلنت بالفعل عزمها السير في هذا الاتجاه وتعزيز اعتماد النمو الأمريكي علي التصدير وليس الاستهلاك‏.‏ ويضيف ان توازن الميزانية هو الآلية السياسية الوحيدة الموثوق بها من أجل منع تضخم العجوزات الخارجية‏.‏ وبمجرد تعافي الاقتصاد الأ مريكي من الأزمة الحالية فانه لابد من وضع الميزانية اعتمادا علي دورة الاقتصاد‏.‏والإجراءات التي يمكن اتخاذها الآن تتضمن السيطرة علي تكاليف التأمين الصحي واصلاح نظام الضمان الاجتماعي وفرض ضرائب جديدة علي السلع الاستهلاكية‏.‏

ويحذر الكاتب في مقاله أيضا من ان استمرار فشل الحكومة في مواجهة المستقبل المالي للولايات المتحدة سوف يضعف مكانتها العالمية وكذلك رفاهيتها المستقبلية ويقول إن مستقبل البلاد أصبح في أيدي الاجانب بدءا من الصين ومرورا باليابان وروسيا وعدد من الدول المصدرة للنفط

الدولار والعجز الأمريكي
ويوضح فريد أن النظرة إلي الدولار وقيمته تختلف داخل الولايات المتحدة وخارجها فالأمريكيون يرون الدولار كعملة دولية أمر في صالحهم ويعيشون في مستوي يفوق قدراتهم الحقيقية‏,‏ ويتيح لهم الدولار شراء السلع الصينية الرخيصة والقيام برحلات رخيصة الي الريفيرا الفرنسية بفضل استمرار العجز الذي تموله الصين وبعض الدول الشرق أوسطية‏.‏ اما خارجها فالنظرة تختلف فتذبذبات الدولار الحادة‏(‏ بنسب تتراوح بين‏30‏ و‏50%)‏ مقابل اليورو خلال العشر سنوات الماضية أدت الي افتقار اوروبا الي الاستقرار المالي‏,‏ والانخفاض الحاد في قيمة الدولار أدي الي انخفاض قيمة الاحتياطيات النقدية الدولارية المملوكة للمستثمرين او البنوك المركزية في انحاء العالم وبالتالي فهناك كثير من النداءات الدولية التي تطالب بتغيير النظام النقدي العالمي الذي يعتمد علي الدولار‏.‏

وكلا الجانبين علي خطأ في رأي كاتب المقال‏,‏ فيقول إن سيادة عملة عالمية أمر يوافق دولا أخري ويؤدي الي انخفاض تكاليف الصفقات الدولية ومهما كانت الشكاوي فان معظم حكومات العالم راضية بفوائضها التجارية وبفرص العمل التي توفرها لهم‏,‏ ولكن الحقيقة أنه إذا ما توقفت الولايات المتحدة عن الاستهلاك المفرط والشراء ببذخ من دول العالم فسوف تضطر دول عديدة إلي تغيير استراتيجياتها التنموية لتعتمد بصورة أكبر علي الطلب المحلي بدلا من التصدير الي الولايات المتحدة‏.‏ وبالتالي فالدول التي تنادي بالتخلي عن الدولار كعملة دولية عليها ان تتريث قليلا‏.‏

وفي الوقت نفسه فان تقليل هيمنة الدولار عالميا قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة‏.‏ بالفعل العجوزات التي تضخمت بفضل الدولار العالمي قد تبدو مبررة علي المدي القريب‏(‏ مثل كروت الائتمان التي تشجع علي الاستهلاك‏)‏ لكنها ليست في مصلحة الاقتصاد‏,‏ والأهم ربما ان دور الدولار كعملة دولية يعوق بقاء سعر صرف الدولار عند المستوي الذي قد يدعم الرخاء والاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة‏.‏ وهذا يرجع الي تأثر سعر صرف الدولار بسياسات دول أخري تستخدم الدولار للتأثير علي أسواق العملات بما يحقق أهدافها الخاصة بسعر صرف عملاتها‏(‏ مثل إضعاف عملتها أمام الدولار من أجل تعزيز تنافسيتها التجارية في الأسواق‏).‏

وفي ظل النظام النقدي العالمي الحالي حيث هناك عملات رئيسية‏-‏ مثل اليورو والين‏-‏ تتمتع بالمرونة‏,‏ وعملات أخري‏-‏ وأهمها الرينيمبي‏-‏ لا تزال مثبتة‏,‏ فإن سعر صرف الدولار لا يستقر عند قيمته الحقيقية نتيجة للتدخل الحاد لبعض اللاعبين الأجانب‏(‏ مثل الصين‏,‏ وسويسرا مؤخرا‏)‏ ونتيجة لقوي السوق التي تعمل وفقا لاعتبارات مالية أكثر منها تجارية‏.‏ وبالتالي فقد حان الوقت لمراجعة دور الدولار كعملة مهيمنة علي العالم‏.‏

والدولار كان كذلك لحوالي قرن من الزمان لسبب بسيط وهو أنه لم يكن هناك منافس خطير‏,‏ فالجنيه الاسترليني تراجع عن الساحة مع أفول النجم الاقتصادي للمملكة المتحدة ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك اقتصاد في اي مكان في العالم في حجم الاقتصاد الامريكي بل ان تاريخ الاستقرار السياسي الطويل للولايات المتحدة قد زاد من جاذبية العملة الخضراء‏.‏ وخلال الخمسين سنة الماضية جميع الدول التي كانت عملاتها مرشحة لمركز عالمي مرموق‏-‏ ابتداء من سويسرا وألمانيا إلي اليابان ودول منطقة اليورو الآن‏-‏ قد رفضت تقريبا الفكرة او اتخذت منها موقفا سلبيا‏.‏

وبالنسبه الي الولايات المتحدة وبقية العالم من الأفضل استمرار العولمة والحفاظ علي كفاءة الأسواق المالية العالمية‏,‏ وبالتالي لا يوجد من لديه مصلحة تامة في التخلص نهائيا من سيادة الدولار‏.‏ ولكن في نفس الوقت يتعين علي الولايات المتحدة تشجيع تغييرين مهمين في النظام النقدي العالمي الحالي‏.‏ أولهما ظهور نظام جديد متعدد العملات حيث تشارك عملات أخري الدولار في السيادة والهيمنة علي الاسواق‏.‏ والمرشح الاوفر حظا هو اليورو الذي ينافس الدولار بالفعل في بعض الميادين مثل الاحتياطيات النقدية والسندات‏,‏ وسيكون لديه فرصة أكبر في منافسة الدولار عندما تعتنق دول منطقة اليورو سياسة مالية موحدة‏,‏ ومن المرجح ايضا ان يكتسب الرينيمبي الصيني دورا دوليا مهما بمجرد سماح الصين بتخفيف سياساتها النقدية‏.‏

ويبدي بعض المراقبين مخاوفهم من عدم استقرار نظام نقدي عالمي متعدد العملات‏,‏ ولكن هذا النظام كان ناجحا لعقود طويلة قبل الحرب العالمية الاولي‏.‏ والمنافسة بين العملات سوف تحسن الاداء الاقتصادي والسياسات الاقتصادية للحكومات والبنوك المركزية صاحبة العملات البديلة‏,‏ ومع توسع وجودها في الاسواق سوف تلعب هذة العملات دورا اكبر في الاحتياطيات النقدية الدولية‏.‏ وحاليا يمثل الدولار‏65%‏ من الاحتياطيات اما اليورو فيمثل‏25%‏ منها وقد يحدث هذا التوازن بينهما‏.‏

والتغيير الثاني الذي يتعين علي الولايات المتحدة تشجيعه هو إصدار صندوق النقد الدولي لحقوق السحب الخاصة‏SDRS‏ وهي الوحدة الحسابية التي يستخدمها الصندوق في معاملاته مع الاعضاء‏,‏ وتتكون حاليا من سلة عملات هي الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني‏.‏ وهذا الإجراء سوف يتيح للدول المختلفة بناء احتياطياتها النقدية دون الحاجة الي بناء فوائض ضخمة لحساباتها الجارية والتجارية‏,‏ مما يؤدي الي تخفيف الضغط علي النظام التجاري العالمي‏.‏

وقد تكون المطالبة بتنويع الاحتياطيات النقدية أمرا غير ضروري وميؤوس منه اذ ان بعض الخطط الطموحة للقيام بذلك قد فشلت في الماضي‏,‏ ولكن قد يكون من المفيد للولايات المتحدة وبقية الدول الحفاظ علي مزيج متوازن من الاصول في الاحتياطيات العالمية‏.‏

وهنا تجدر الإشارة إلي أن مجموعة العشرين قد اتخذت خطوة مهمة في هذا الاتجاه بالموافقة علي إصدار ما قيمته‏250‏ مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في شهر إبريل الماضي‏,‏ وهو ما يعني زيادة حصة حقوق السحب الخاصة في الاحتياطيات العالمية عن المستوي السابق وهو اقل من‏1%‏ الي حوالي‏5%.‏ والآن يتعين علي صندوق النقد الدولي ومجموعة العشرين القيام بما هو أكثر من تلك الخطوة‏(‏ التي جاءت كإجراء طارئ في مواجهة الأزمة‏)‏ والبدء في عملية توزيع حقوق السحب الخاصة سنويا‏,‏ ربما بما قيمته تريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة‏.‏

بالإضافة إلي ما سبق يجب علي صندوق النقد الدولي ان ينشئ‏'‏ حساب إحلال‏'‏ تقوم البنوك المركزية من خلاله بتحويل الدولارات والعملات الاخري مقابل‏'‏ حقوق السحب الخاصة‏'‏ بدون التأثير علي الاسواق العالمية‏.‏ وهذا سوف يقلل من مخاطر اضطرابات الاسواق ويسهم في تزايد أهمية‏'‏ حقوق السحب الخاصة‏'‏ كعملة دولية وهي خطوة مهمة لان اي تحول كبير في الاحتياطيات النقدية للصين‏,‏ اليابان‏,‏ دول الشرق الاوسط او روسيا‏,‏ او حتي شائعات بذلك يؤثر علي الولايات المتحدة بالهبوط الحاد في قيمة الدولار‏,‏ وعلي دول منطقة اليورو والدول الاخري التي تحتوي سلة‏'‏ حقوق السحب الخاصة‏'‏ علي عملاتها بارتفاع تلك العملات والي مستويات خارج المنافسة‏.‏

ويتعين علي الولايات المتحدة أن تشجع هذه العملة الدولية الجديدة كما سبق وان بادرت بفكرة إصدارها في أواخر الستينيات‏.‏

عندما يقود العجز إلي عجز آخر
ويواصل الكاتب حديثه قائلا ان المشكلات السابقة تصبح أكثر خطورة في حالة ارتفاع عجز الحساب الجاري والتجاري الي مستويات قياسية مرة اخري في المستقبل‏.‏ لكن الجدير بالذكر ان من المكاسب القليلة التي حققتها الازمة كان الانخفاض الحاد في هذه الاختلالات‏,‏ فبعد ارتفاعها الي مستوي قياسي الي‏800‏ مليار دولار او اكثر من‏6%‏ من اجمالي الناتج المحلي في‏2005,‏ تقلص عجز الحساب الجاري الامريكي بحوالي‏50%‏ في‏2009‏ وجزء من هذا التحسن يرجع الي انخفاض اسعار النفط‏,‏ وجزء آخر يرجع الي الركود الاقتصادي الذي حل بالولايات المتحدة وكان له اثره علي وارداتها‏.‏ وهناك تفسير آخر مهم وهو تحسن تنافسية الصادرات الامريكية بفضل انخفاض قيمة الدولار‏.‏

ولكن حتي مع هذه الاخبار السارة لا يزال الدين الامريكي في ارتفاع مستمر‏,‏ اذ ارتفع الدين الخارجي بأكثر من‏1.3‏ تريليون دولار في‏2008‏ فقط ليصل الي حوالي‏3.5‏ تريليون دولار بنهاية العام‏.‏ ويبدو ان التحسن الاخير الذي ظهر‏,‏ مجرد تحسن مؤقت‏,‏ والسبب في ذلك العجز الكبير المتوقع في ميزانية الولايات المتحدة والذي قد يستمر لعشر سنوات او اكثر اعتمادا علي الاداء الاقتصادي مستقبلا‏(‏ ومن المرجح انخفاض نمو الانتاجية‏)‏ وعلي سياسات الحكومة‏(‏ والتي قد تفشل في تخفيض تكاليف التأمين الصحي‏).‏

وارتفاع عجز الميزانية يسهم في ارتفاع عجز الحساب الجاري والتجاري لسببين‏:‏ أولا‏:‏ بالنسبة الي جزئية الاقتصاد الحقيقي‏,‏ فان عجز الميزانية يدفع بالطلب المحلي الي مستوي يفوق الناتج المحلي‏,‏ وهو ما يعني زيادة الواردات‏.‏ ثانيا‏:‏ عجز الميزانية معناه زيادة الاعتماد علي الإقراض الحكومي لتمويل الانفاق‏,‏ وفي ضوء عدم كفاية الاستثمارات المحلية تلجأ الولايات المتحدة الي الاقتراض الخارجي‏.‏

ومن الحلول المقترحة تخفيض الاستثمار والذي يقلل من الطلب علي السلع والاموال الاجنبية‏,‏ وارتفاع معدل الادخار‏,‏ وكلاهما يقلص الانفاق الاستهلاكي‏-‏ والواردات‏-‏ وكذلك الحاجة الي الاموال الاجنبية‏,‏ وبالطبع الحكومة الامريكية لا تريد الحل الأول‏,‏ لانه يعني انكماش الاقتصاد وانخفاض نمو الانتاجية ولكن التاريخ يقول إنها لا يمكن ان تعتمد علي الحل الثاني‏,‏ وبالتالي يجب ان يدرك السياسيون الامريكيون ان أية زيادة في عجز الميزانية الفيدرالية‏-‏ مثل الذي تعاني منه الآن والمتوقع في المستقبل المنظور‏-‏ سوف يؤدي الي زيادة الاختلالات الخارجية ويزيد من خطورتها أيضا‏.‏

والولايات المتحدة ليست في حاجة الي التخلص نهائيا من اختلالاتها الخارجية‏.‏ نظريا‏,‏ وحسب الخبرة التاريخية‏,‏ فان وجود عجز في حدود‏3%‏ من إجمالي الناتج المحلي قد يكون مقبولا‏,‏ لان الدين الخارجي لن ينمو بصورة اسرع من الاقتصاد المحلي خاصة اذا ما تم استثمار الاموال الاجنبية في تمويل مشروعات منتجة‏(‏ كما حدث في فترة التسعينيات‏)‏وليس في تمويل الاستهلاك الخاص والانفاق الحكومي‏(‏ كما يحدث في هذا العقد‏).‏ والحفاظ علي العجز عند هذا المستوي قد يسمح للدين الخارجي بالثبات عند حوالي‏50%‏ من اجمالي الناتج المحلي‏(‏ وهو مستوي غير مقبول لكن يمكن التعايش معه‏).‏

وهكذا يجب أن يكون هدف الحكومة ألا يزيد عجز الحساب الجاري علي‏3%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏.‏

إلا أن هناك مخاوف أخري قد تؤدي الي زيادة العجز الخارجي الامريكي‏,‏ واهمها أسعار النفط التي قد ترتفع مرة اخري‏.‏ الولايات المتحدة قد تتعافي من الازمة بصورة أسرع من بعض شركائها التجاريين الرئيسيين ولاسيما في أوروبا‏.‏ والارتفاع الذي شهده الدولار خلال ذروة الازمة قضي علي حوالي نصف مكاسب تنافسية الولايات المتحدة في السنوات الست الاخيرة‏.‏ والآن اعلنت ادارة اوباما عن رغبتها في تقليل الاختلالات الخارجية بقدر الامكان‏,‏ ودعت الي إصلاح الاقتصاد اعتمادا علي التصدير وليس الاستهلاك‏,‏ بل ونصحت دولا اخري بالاعتماد علي توسيع الطلب المحلي في النمو وليس التصدير‏.‏

ويبقي السؤال المهم‏..‏ كيف يمكن تحقيق ذلك ؟

الادخار‏..‏ من أجل النجاح
ويتضح مما سبق أن الحل الأمثل لتقليص العجز الخارجي الامريكي لمستوي مقبول‏,‏ هو زيادة معدل الادخار المحلي وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق‏:‏ زيادة الادخار الخاص‏,‏ وتخفيض عجز الميزانية الفيدرالية‏.‏

وقبل الأزمة كان معدل الادخار العائلي في الولايات المتحدة حوالي صفر لكنه الآن ارتفع الي ما بين‏5‏ و‏7%‏ وهو مايعكس الهبوط الحاد في ثروات الافراد نتيجة للازمة‏,‏ واذا تحسنت هذه الثروات‏-‏ في ضوء ارتفاع اسعار الاسهم منذ مارس الماضي‏-‏ فانه من المرجح عودة معدلات الادخار الي ما كانت عليه‏(‏ فزيادة الدخل لا تعني بالضرورة الادخار وانما الاستهلاك‏),‏ وبالتالي لا يمكن الاعتماد علي مدخرات الافراد فقط عند التخلي عن التمويل الاجنبي‏,‏ ولسوء الحظ لا يوجد سياسات واضحة لتشجيع الادخار العائلي‏.‏ وقد حاولت ادارات امريكية سابقة لكنها فشلت حتي مع استخدام الحوافز الضريبية ومع تعديل أسعار الفائدة‏.‏

وهذا لا يترك للسياسيين سوي آليتين‏,‏ الأولي‏:‏ زيادة الضرائب علي الاستهلاك وليس الدخل والثانية‏:‏ وضع برنامج الزامي للادخار وهو نظام ثبت نجاحه في دول اخري مثل استراليا وسنغافورة‏,‏ ويتم الاعداد له حاليا في المملكة المتحدة‏.‏ وفي ظل هذا النظام سيكون علي جميع الامريكيين تخصيص حصة صغيرة من دخلهم للادخار‏(‏ ربما‏1%‏ او‏2%‏ كبداية‏)‏ الي جانب مساهماتهم الحالية في الضمان الاجتماعي‏.‏

وهذه المدخرات يمكن ان تتم ادارتها بواسطة افراد او هيئة حكومية يتم انشاؤها خصيصا لهذا الغرض‏.‏

اذا فان أفضل آلية لزيادة الادخار ما يتعلق بالميزانية‏,‏ بمعني الحفاظ علي توازن الميزانية الفيدرالية عند مستوي اعلي من متوسط دورة الاقتصاد او الاعمال‏,‏ وهذا يتطلب بناء الاحتياطيات النقدية في اوقات الرخاء‏(‏ وهو ما كان يجب ان تفعله الولايات المتحدة في فترة الانتعاش الاقتصادي الاخير‏2003-2006,‏ والتسليم بعجوزات متواضعة خلال فترات الركود‏(‏ كنتيجة لاجراءات تخفيض الضرائب وتحفيز الاقتصاد‏).‏

والغرض من هذه الاستراتيجية منع تجاوز الدين الخارجي لمعدل النمو الاقتصادي‏(‏ والذي يبلغ‏3%‏ حاليا‏)‏ وهذا سوف يحد من نمو عجز الحساب الجاري مستقبلا‏.‏

والإشكالية هنا التي يتعرض لها الكاتب انه حتي توازن الميزانية قد لا يضمن تحقيق المستوي المستهدف للاختلالات الخارجية في جميع الاحوال‏,‏ ففترات النمو الاقتصادي القوي للولايات المتحدة‏-‏ ولاسيما تلك المميزة بزيادة الانتاجية مثل فترة أواخر التسعينيات‏-‏ تستلزم مستويات مرتفعة من الاستثمار والاقتراض المتزايد من الخارج بل وواردات أكثر لكبح الضغوط التضخمية‏.‏ وانخفاض النمو الاقتصادي في بقية العالم قد يضعف الصادرات الأمريكية اللازمة لاصلاح العجز التجاري الامريكي‏.‏

عند انخفاض النمو المحلي والاستثمار الخاص‏,‏ كما حدث في هذه الأزمة‏,‏ قد يتزامن التحسن في الميزان الخارجي الامريكي مع ارتفاعات حادة في عجز الميزانية‏.‏ وبمرور الوقت تصبح الميزانية القوية هي الآلية الوحيدة للوثوق فيها من اجل الحفاظ علي مستوي مقبول من الدين الخارجي‏.‏ والميزة الاضافية هنا هي وصول رسالة واضحة للمستثمرين الاجانب والمحليين‏,‏ أنه لن يكون هناك هبوط حاد في أصولهم الدولارية‏.‏

ألاعيب مالية
ويلخص كاتب المقال رأيه موضحا أن الهدف الرئيسي للسياسة الاقتصادية الخارجية الأمريكية هو منع الاعيب الدول الأخري التي ترفع قيمة الدولار عمدا الي مستوي أعلي من قيمته الحقيقية‏,‏ الأمر الذي يضر بتنافسية الصادرات الامريكية‏.‏ وخلال السنوات الاخيرة كانت الصين المتهم الاول بهذه العملية‏,‏ فقد عملت علي تراكم فوائض حساباتها الجارية بأكثر من‏1%‏ من اجمالي الناتج المحلي‏,‏ وتدخلت بقوة في اسواق العملة للحيلولة دون ارتفاع الرينيمبي‏.‏ والان ارتفعت عملة الصين بعض الشيء علي كل حال وفائضها التجاري في تراجع‏,‏ ومع ذلك فان الخلل في ميزانها التجاري لا يزال كبيرا جدا‏,‏ والرينيمبي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين‏20‏ و‏40%.‏

وهناك أيضا سويسرا‏,‏ وهي دولة صغيرة لكنها تعتبر لاعبا مهما جدا في عالم التجارة‏,‏ وقد ساعدها تدخلها الصريح والمثير للإعجاب‏,‏ في أسواق العملات في انخفاض سعر صرف الفرنك السويسري علي الرغم من الفوائض الضخمة لحساباتها الجارية‏.‏ وخلال السنوات القليلة المقبلة في ظل سعي عدد أكبر من الدول للخروج من الازمة الحالية وزيادة احتياطيات النقد الاجنبي لتأمين نفسها من أية أزمات مقبلة قد تزيد من الألاعيب في أسواق العملات والذي قد يعوق جهود الولايات المتحدة لمنع تفاقم عجوزاتها الخارجية‏.‏

وبالتالي أية محاولة جادة لتصحيح الاختلالات الدولية للولايات المتحدة لابد وان تشمل السياسات النقدية للدول الاخري‏,‏ وأفضل طريقة قد تكون عن طريق صندوق النقد الدولي وسلة العملات‏.‏ غير ان صندوق النقد الدولي ليس له سلطان علي الدول الدائنة‏,‏ وبالفعل توقف صندوق النقد الدولي مؤخرا عن محاولاته للسيطرة علي اختلالات الصين والدول الاخري‏.‏ والحل البديل لدي منظمة التجارة العالمية التي يمكنها حظر ألاعيب أسواق العملات وفرض عقوبات‏,‏ تجارية ضد الدول المشاغبة‏.‏

ويخلص المقال إلي أن الإجراءات الصارمة التي يمكن ان تقوم بها الولايات المتحدة للسيطرة علي عجوزاتها الخارجية سوف تمثل تحديا لدول اخري‏,‏ مثل الصين واليابان وألمانيا‏(‏ اكبر ثلاث اقتصادات في العالم بعد الولايات المتحدة‏)‏ فهذه الدول اعتمد نموها الاقتصادي علي صادراتها الي الولايات المتحدة وعلي فوائضها التجارية وبالتالي ستضطر الي تحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي اذا نجحت الولايات المتحدة في تخفيض حجم استهلاكها ولم تعد أكبر مستهلك في العالم‏.‏

ومثل هذا التحول الذي يمكنه بالفعل أن يؤدي الي استدامة النمو العالمي بالتركيز علي التصدير بدلا من الاستهلاك المحلي‏,‏ وهو الوضع الملائم‏-‏خاصة بالنسبة الي الدول كثيفة السكان‏-‏ لكنه سيستلزم بعض التعديلات الخارجية أيضا‏.‏

وبالفعل قد بدأت إدارة أوباما ومجموعة العشرين ومنظمات دولية المطالبة بهذه الاصلاحات‏.‏

إصلاح النظام النقدي العالمي سيعزز استراتيجية اعادة التوازن العالمي‏.‏عن طريق تقلقل هيمنة الدولار وترسيخ مكانه عملات دولية اخري وكذلك عملة‏'‏ حقوق السحب الخاصة‏'‏ تستطيع الولايات المتحدة زيادة الحوافز التي تقدمها للمواطنين لتسيطر علي عجوزاتها‏,‏ وكذلك الدول الاخري ستتمكن من زيادة احتياطياتها دون تراكم الفوائض‏.‏

مجلة فورين افيرز نوفمبر2009

الاهرام الاقتصادى 23 نوفمبر 2009
mahmoud_H2010
mahmoud_H2010
مراقب عام
مراقب عام

العمر : 43
تاريخ التسجيل : 16/11/2009
عدد المساهمات : 5

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى