هل لايزال النفط سلاحاً بيد العرب؟
منتدى شباب الاقتصاديين المصريين :: المنتدى الأقتصادي
:: الأراء و المقالات الاقتصادية :: منتدى دكتور رمزي زكي
صفحة 1 من اصل 1
هل لايزال النفط سلاحاً بيد العرب؟
هل لايزال النفط سلاحاً بيد العرب؟
عقد من تفاقم الانفراط العربي وعقود من الخلافات المستمرة، هل أضاعت قيمة النفط كسلاح استراتيجي؟
عندما اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 تمكن العرب، ولأول مرة في تاريخهم المعاصر من أن يستخدموا سلاح النفط بفاعلية عالية لخدمة مصالحهم القومية والاقتصادية.
فمنذ الأيام الأولى لاندلاع المعارك العسكرية بين مصر وسوريا والاردن من ناحية، والعدو الإسرائيلي من ناحية أخرى، اتخذت الدول العربية الاعضاء في منظمة الأوبك قرارات مهمة وجريئة، هزت، وبقوة شديدة مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة الحيوية. كما أحدثت هذه القرارات تداعيات وآثارا مهمة في المنطقة العربية. وقد تمثلت هذه القرارات الجريئة في ثلاثة مجالات بالغة الخطورة.
أما عن المجال الأول، فهو زيادة سعر برميل النفط في 16 أكتوبر 1973 إلى خمسة دولارات بعد أن كان ثلاثة دولارات. ثم استمر هذا السعر في ارتفاعه إلى أن وصل إلى 15 دولارا في بداية عام 1974. وهذا ما عرف تحت مصطلح "الصدمة السعرية الأولى" التي تلتها "الصدمة السعرية الثانية" في عام 79 / 1980 عندما وصل سعر البرميل إلى حوالي 35 دولارا. وكانت النتيجة المباشرة لهذه الخطوة هي تحقيق إعادة توزيع للدخل على الصعيد العالمي لصالح البلاد المصدرة لهذه المادة بعد أن ظلت لفترة طويلة من الزمن تعاني من علاقات التبادل اللا متكافئ الجائرة لتلك المادة الحيوية التي تعد هي المصدر الرئيسي للدخول القومية فيها. ويكفي للدلالة على خطورة هذا القرار، أن نشير إلى أن قيمة تجارة الوقود في العالم ارتفعت من 29 مليار دولار في عام 1970 إلى حوالي 535 مليار دولار في عام 1980، وارتفعت، جراء ذلك، قيمة تجارة الوقود من 7% من إجمالي التجارة العالمية إلى حوالي 21% على التوالي بين هذين التاريخين. وكانت الدلالة التاريخية المهمة لقرارات الأوبك بالنسبة للبلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة، هي انتهاء عصر الرخص الشديد للطاقة، وهو الرخص الذي شكل عاملاً أساسياً من عوامل نمو وتقدم هذه البلدان في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أثر ارتفاع السعر العالمي للنفط تأثيراً قوياً على جميع عمليات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوزيع في هذه البلدان، وهو التأثير الذي عرف في تلك الآونة تحت مصطلح "أزمة الطاقة". وقد لجأت البلدان الصناعية المستوردة للنفط إلى اتخاذ تدابير ثأرية، تمثلت في ذلك الارتفاع المصطنع الذي أحدثته في أسعار كثير من السلع الغذائية والوسيطة والاستثمارية التي تستوردها البلاد النامية. لكن تأثير تلك التدابير على البلاد النفطية كان تافها، لكنه كان تأثيرا عظيماً على البلاد النامية غيرالنفطية. كما زادت في هذه الفترة التدابير الحمائية ضد الصادرات المصنعة وغير المصنعة للبلاد النامية.
آثار حظر النفط
أما المجال الثاني الذي تجلى فيه استخدام العرب سلاح النفط في تلك الآونة فقد تمثل في حظر تصدير النفط إلى البلدان الغربية التي وقفت مع إسرائيل وانحازت لجانبها وقت اندلاع المعارك الحربية. وقد سبب هذا الحظر رعباً شديداً لهذه البلدان، نظراً لاعتمادها الشديد على بترول العرب باعتباره مصدراً رئيسياً للطاقة ومادة جوهرية تعتمد عليها الصناعات البتروكيماوية التي تستخدم كمدخلات وسيطة في آلاف الصناعات التحويلية. وكان استمرار هذا الحظر، وربطه بالصراع العربي الإسرائيلي وكأداة ضغط في المفاوضات الدولية لهذا الصراع يعني بشكل مباشر، حصاراً اقتصادياً خانقاً لمجموعة هذه البلدان. ولهذا سرعان ما اضطرت البلاد العربية النفطية إلى التخلي عن هذا الحظر بعد أقل من شهر واحد من انتهاء حرب أكتوبر، نظراً لما احتواه من مخاطر أمنية واستراتيجية على دول المنطقة.
وفيما يتعلق بالمجال الثالث الذي ظهر فيه استخدام النفط كسلاح بيد العرب آنذاك، فقد تمثل في استمرار تقديم الدعم المالي من البلاد العربية المصدرة للنفط إلى البلاد العربية التي تضررت من الحرب، وهو الدعم الذي كان قد تقرر في مؤتمر الخرطوم عقب هزيمة يونيو 1967 واستمر بعد حرب أكتوبر 1973. وقد تم هذا الدعم إما من خلال العلاقات الثنائية بين البلاد العربية النفطية والبلاد العربية التي احتلت أراضيها، أو من خلال تقديم القروض الميسرة من صناديق التمويل والتنمية العربية. وقد عكس هذا الدعم المالي درجة عالية من التضامن العربي في تلك الآونة.
وعلى الجانب الآخر، كان لثورة أسعار النفط التي نجح فيها سلاح التضامن العربي تداعيات مهمة في المنطقة العربية. فمن ناحية زادت الدخول القومية للبلاد العربية المصدرة للنفط زيادة هائلة، مكنتها من تنفيذ جرعات ضخمة من الاستثمار وبناء شبكة متقدمة من البنية التحتية وانشاء كثير من المدن الجديدة وبعض الصناعات التحويلية، وبالذات البتروكيماوية وصناعة مواد البناء والتشييد. كما زاد الانفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والاسكان ومشروعات الضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث قفزة هائلة في مستويات المعيشة. وفضلا عن ذلك، تبقت في هذه البلاد فوائض مالية ضخمة، راحت تبحث عن مجالات للتثمير المربح لها في الخارج وأصبحت تدر عوائد مالية ضخمة. ومنذ ذلك التاريخ اصبحت اقتصادات البلاد العربية النفطية تعتمد اعتمادا جوهريا على الريع النفطي. حيث أصبحت المؤشرات الاقتصادية ترتفع فيها بارتفاع هذا الريع، وتنخفض بانخفاضه. أما البلاد العربية غير النفطية، فقد تأثرت سلباً بارتفاع سعر النفط وارتفاع أسعار وارداتها الأخرى، مما أدى إلى زيادة عجز موازين مدفوعاتها زيادة كبيرة، مما اضطرها للاقتراض الخارجي. وجزء كبير من هذا الاقتراض كان مصدره الفوائض النفطية التي اعيد تدويرها للخارج . وقد تزايدت مديونية هذه البلاد زيادة كبيرة خلال عقد الثمانينيات وبالاضافة إلى الاقتراض الخارجي استطاعت البلاد العربية ذات العجز المالي ان تخفف من حدة الضغوط التي ولدها العجز بميزان المدفوعات من خلال إرسال شطر مهم من عمالتها الفنية وشبه الفنية والعادية للاشتغال بالبلاد النفطية، حيث لعبت تحويلات هؤلاء العاملين دوراً مهماً في زيادة موارد هذه البلاد من النقد الأجنبي. وهكذا، انقسمت البلاد العربية إلى بلاد ذات فائض ودائنية، وبلاد ذات عجز مالي ومديونية خارجية كبيرة.
ولا يجوز أن ننسى، أنه خلال عقد السبعينيات الذي اشتعلت فيه ثورة أسعار النفط، زاد الوعي بأهمية التعاون الاقتصادي العربي المشترك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستكمال مقومات التحرر الاقتصادي وتحقيق التنمية، والعمل على تغيير بنية الانتاج المحلي المعتمد على إنتاج المواد الأولية. وقد تجسد هذا الوعي وبلغ ذروته في قمة عمان عام 1980 بصدور "استراتيجية العمل العربي المشترك" و"ميثاق العمل الاقتصادي القومي" الذي وقعه الملوك والرؤساء العرب. كذلك يشهد التاريخ أنه خلال عقد السبعينيات، زادت الموارد المالية المتاحة لصناديق التنمية والتمويل العربية، وزاد حجم نشاطها، وظهرت كثير من المشروعات الاقتصادية العربية المشتركة.
وفي ضوء ما تقدم، كان من الجلي، أن استخدام سلاح النفط في معارك العرب القومية والاقتصادية قد بدأ يؤتي ثماره، وأن ثمة وعوداً ضخمة وآمالا عريضة لاستثمار هذه الثمار لصنع مستقبل أفضل للعرب في ظل صعود عام لحركة التحرر الوطني العربية . على أن النجاح النسبي الذي سجله العرب في استخدامهم لسلاح النفط في تلك الآونة كان في الحقيقة مرتبطاً بالعوامل التالية:
1 ـ
وحدة الصف العربي.
2 ـ
الجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة.
3 ـ
توافر الإرادة السياسية العربية.
4 ـ
الفاعلية النسبية للنظام العربي الإقليمي ومؤسساته المختلفة.
نزع سلاح النفط
كل ذلك، كان يوحي بأن المنطقة العربية أصبحت مؤهلة ـ بحكم موقعها ومساحتها وعدد سكانها ومواردها الاقتصادية والطبيعية والوعي العربي الجديد الصاعد فيها ـ مؤهلة لأن تكون منطقة خارج السيطرة والهيمنة الغربية، وأن تضع تنميتها ومستقبلها بما يتفق وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والأمنية. كما أن ذلك كان يوحي أيضا بإمكان استمرار صعود حركة التحرر الوطني العربية وصمودها أمام تحديات العدو الصهيوني.
على أن مجئ عقد الثمانينيات، وما حدث به من تطورات مذهلة، قد عجل بوضع نهاية لتلك الآمال، وتم نزع سلاح النفط من أيدي العرب، في ظل سياق تاريخي دولي وإقليمي معين، ولتدخل المنطقة بعد ذلك في حالة متردية من التفكك العربي وضعف التضامن بين البلاد العربية.
فعلى الصعيد العالمي، سرعان ما تنبهت البلدان الصناعية الرأسمالية لخطورة ترك سلاح النفط بيد العرب لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية. ولهذا حرصت على إجهاض ثورة أسعار النفط من خلال مجموعة من الإجراءات والسياسات المحسوبة بدقة، مثل ترشيد استخدام الطاقة، وزيادة استخدام بدائل النفط كالفحم والغاز والطاقة الشمسية والنووية، ومن خلال تكوين مخزونات نفطية هائلة تستخدم عند اللزوم للضغط على الاسعار في السوق النفطية، وزيادة انتاج النفط في دول أخرى غير أعضاء بالأوبك، والحرص على شق صفوف الدول الأعضاء بالاوبك وإذكاء الخلافات فيما بينها. وكل هذه الاجراءات والسياسات نجحت في النهاية في تحويل سوق النفط من سوق كان يسيطر عليها البائعون إلى سوق يسيطر عليها المشترون. ولهذا سرعان ما تدهورت أسعار النفط خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات تدهوراً بليغاً. وزاد من حدة هذا التدهور ان القوة الشرائية Purchasing Power لبرميل النفط قد تدهورت على نحو اكثر بسبب ارتفاع أسعار واردات البلاد المصدرة للنفط. كذلك نجحت مجموعة البلدان الصناعية الرأسمالية، يؤازرها في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في احتواء الفوائض النفطية العربية وإعادة ضخها عبر قنوات الاستثمار النقدي والمالي، في وقت ساد فيه التضخم، مما أدى إلى تآكل تلك الفوائض.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد شهد عقد الثمانينيات سلسلة من الأحداث الكارثية في المنطقة العربية التي أدت في النهاية إلى إضعاف فاعلية سلاح النفط، بل ونزعه تماما من أيدي العرب. ويأتي في مقدمة ذلك، اندلاع الحرب الإيرانية العراقية لمدة ثماني سنوات وما بددته من ثروات مالية وبشرية هائلة وما أدت إليه من ضغوط لزيادة ضخ وتصدير النفط العربي لتمويل مشتريات السلاح، وانفجار الحروب الأهلية في بعض البلدان العربية "مثل الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب الأهلية في جنوب السودان، والنزاع المغربي في جنوب الصحراء..." واشتعال الحروب مع بعض دول الجوار العربي، وتعميق الانكفاء على الذات ونمو النزعات القطرية بتزايد تكوين التجمعات العربية الإقليمية.
ثم جاءت الكارثة الكبرى باحتلال العراق للكويت في صيف عام 1990 وما سببته من شرخ عميق ومؤلم في الجدار العربي ومن تفكك شديد وضعف بين في النظام العربي الإقليمي.
وفي ضوء هذا الوضع العربي المتردي كان طبيعياً أن تصبح دول المنطقة من أكبر دول العالم استيراداً للسلاح وأن تتبدد أجزاء ضخمة من الفوائض النفطية والفوائض الاقتصادية العربية في هذا الاستيراد، وأن تتراجع معدلات التراكم والنمو والتوظف، ويتعرض مستوى المعيشة في كثير من البلاد العربية للتدهور. كذلك تزايدت المديونية الخارجية للبلاد العربية غير النفطية وذات العجز المالي وأصبحت قيداً ثقيلاً على حرية اتخاذ القرار فيها بعد الدخول في عمليات إعادة جدولة ديونها، وأن تفرض عليها عمليات التكيف الهيكلية والانفتاح والتحرير والعولمة والتخلص من القطاع العام كثمن لتأجيل دفع الديون، وإن كان ذلك قد تم تحت شعارات "الإصلاح الاقتصادي". ولاعجب، والحال هذه، أن تأخذ الحلول الفردية طريقها إلى دول المواجهة في صراعها مع العدو الصهيوني.
وإذا عدنا الآن، بعد ذلك كله، إلى طرح سؤالنا الجوهري، وهو: هل لا يزال النفط سلاحاً بيد العرب في الآونة الراهنة لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية.. فإننا لن نتردد بالرد على ذلك بالنفي. فمن الناحية الفعلية تم نزع سلاح النفط من أيدي العرب في ضوء التفاعلات القوية لتلك الاحداث سالفة الذكر التي حدثت على الصعيدين العالمي والإقليمي في الثمانينيات، واستمرت، بهذا القدر أو ذاك، بعد ذلك في عقد التسعينيات.
هل يعود السلاح لقوته؟
لكننا إذا طرحنا السؤال بصيغة الإمكان، وقلنا، هل من الممكن أن يعود النفط سلاحاً بيد العرب، مرة أخرى، لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية مستقبلا ? ، لقـلنا إنه على صعيد القضايا القومية، ليس من الوارد، لا حاليا ولا في المستقبل المنظور، أن يكون للنفط فاعلية تذكر في خدمة هذه القضايا، حيث خرج النفط تماما كسلاح من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بعد استشراء حالة التشرذم العربي والانكفاء على الذات وبعد تبني دول المواجهة الحلول الانفرادية وخيار السلام. كما أنه بسبب الحالة الراهنة للتفكك العربي وتبدل علاقات القوى والأمن بالمنطقة، ليس من الوارد أن يستخدم سلاح النفط في دعم المفاوض العربي مع العدو الإسرائيلي.
أما على صعيد القضايا الاقتصادية، ويأتي في مقدمتها بناء مشروع التنمية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فإن ثمة، امكانات كبيرة لاستخدام سلاح النفط لخدمة تلك القضايا. لكن ذلك يبقى رهنا بتوافر شروط معينة. وهذه الشروط يمكن تفريعها إلى خطين رئيسيين.
الخط الأول يتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة لأن يبقى للنفط سعر عالمي مجز. وقد توصلت الأوبك في اجتماعها في شهر مارس 2000 بمدينة فيينا إلى آلية معينة تأخذ بها لأول مرة في تاريخها. وتهدف هذه الآلية إلى الحفاظ على مستوى سعر البرميل فيما بين 22 و28 دولارا أمريكيا. فإذا انخفض السعر إلى أقل من 22 دولارا قامت الأوبك بتخفيض إنتاجها، وإذا تجاوز السعر 28 دولاراً، فإنها تقوم بزيادة إنتاجها.
ولا يخفى أن الحفاظ على هذه الآلية يتطلب من الدول العربية الأعضاء بالأوبك ـ وهي ذات وزن محترم فيما يتعلق بحجم الإنتاج والتصدير ـ أن تبذل جهداً مكثفا للحفاظ على وحدة الموقف بين الدول الأعضاء بالأوبك والتمسك بقرارات حصص الإنتاج واحترام تنفيذها. لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها الأوبك في هذا الخصوص، هي أن حجم وطبيعة المشكلات التي تواجهها الدول الأعضاء، وتؤثر من ثم في قرارات الإنتاج، تختلف اختلافاً كبيراً فيما بينها. ففنزويلا ونيجيريا وأندونيسيا على سبيل المثال من الدول ذات المديونية الخارجية الثقيلة، وأن عبء هذه المديونية يسبب لها ارهاقاً مالياً شديداً، في حين أن المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات ذات فائض ودائنية خارجية. كما أن متوسط دخل الفرد في نيجيريا 280 دولاراً، في حين يبلغ هذا المتوسط 7150 دولاراً في المملكة العربية السعودية "طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 1999". وهذا الاختلاف الشاسع في الظروف الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يجعل هناك صعوبة في احترام حصص الإنتاج المقررة. لهذا يقترح كاتب هذه السطور ضرورة إنشاء صندوق طوارئ لبلدان الأوبك، تكون مهمته تقديم القروض الميسرة إلى البلد العضو الذي يواجه مآزق اقتصادية حتى لا يضطر إلى زيادة حجم إنتاجه من النفط فوق ما هو متفق عليه.
ولما كان السلوك الإنتاجي والتصديري للدول غير الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يسبب المشكلات لاستقرار أسعار النفط، فإنه قد يكون من المفضل السعي إلى ضم بعض هذه الدول إلى عضوية الأوبك حتى ترتبط مصالحها بباقي مصالح الدول الأعضاء.
وفي جميع الأحوال يجب على الأوبك أن تتصدى لمحاولات الضغط عليها من قبل بعض البلدان الصناعية المتقدمة للتأثير على سياستها السعرية.
أما الخط الثاني في مقترحاتنا، فيتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة إلى استخدام النفط في بناء مشروع التنمية الاقتصادية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي. ويأتي في مقدمة هذه المقترحات، ضرورة تصنيع النفط وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية حتى يمكن الحصول على مردود أعلى بدلا من تصديره كمادة خام. كذلك من المهم تعزيز ودعم الخدمات المكملة لتجارة النفط، مثل خدمات الشحن والنقل والتأمين.. إلى آخره.
وفيما يتعلق بإمكانات استخدام النفط في دعم جهود التكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فهي قضية معقدة ولن يتسع المجال للخوض فيها هنا. لكنا نكتفي هنا بالإشارة إلى أن الأمر يتطلب عودة التضامن العربي، وعودة الوعي بأهمية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتفعيل مؤسسات النظام العربي الإقليمي، في ضوء مبدأ النفع المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، واحترام السيادة القطرية، مع الاستفادة من خبرات الماضي بحلوها ومرها.
الفرصة باقية
وصفوة القول، لقد كان النفط، في فترة ما ـ ولمدة وجيزة ـ سلاحاً بيد العرب لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية، حينما كانت هناك وحدة في الصف العربي، وحينما كانت هناك ارادة سياسية قوية، وتعاون عربي وثيق. أما الآن فقد تم نزع هذا السلاح من أيدي العرب في ضوء عوامل الضعف والتفكك العربي التي تراكمت على الصعيدين العالمي والإقليمي، مع ذلك، يظل هذا السلاح ممكنا لاستخدامه في خدمة القضايا الاقتصادية العربية لو توافرت شروط معينة.
رمزي زكي عندما اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 تمكن العرب، ولأول مرة في تاريخهم المعاصر من أن يستخدموا سلاح النفط بفاعلية عالية لخدمة مصالحهم القومية والاقتصادية.
فمنذ الأيام الأولى لاندلاع المعارك العسكرية بين مصر وسوريا والاردن من ناحية، والعدو الإسرائيلي من ناحية أخرى، اتخذت الدول العربية الاعضاء في منظمة الأوبك قرارات مهمة وجريئة، هزت، وبقوة شديدة مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة الحيوية. كما أحدثت هذه القرارات تداعيات وآثارا مهمة في المنطقة العربية. وقد تمثلت هذه القرارات الجريئة في ثلاثة مجالات بالغة الخطورة.
أما عن المجال الأول، فهو زيادة سعر برميل النفط في 16 أكتوبر 1973 إلى خمسة دولارات بعد أن كان ثلاثة دولارات. ثم استمر هذا السعر في ارتفاعه إلى أن وصل إلى 15 دولارا في بداية عام 1974. وهذا ما عرف تحت مصطلح "الصدمة السعرية الأولى" التي تلتها "الصدمة السعرية الثانية" في عام 79 / 1980 عندما وصل سعر البرميل إلى حوالي 35 دولارا. وكانت النتيجة المباشرة لهذه الخطوة هي تحقيق إعادة توزيع للدخل على الصعيد العالمي لصالح البلاد المصدرة لهذه المادة بعد أن ظلت لفترة طويلة من الزمن تعاني من علاقات التبادل اللا متكافئ الجائرة لتلك المادة الحيوية التي تعد هي المصدر الرئيسي للدخول القومية فيها. ويكفي للدلالة على خطورة هذا القرار، أن نشير إلى أن قيمة تجارة الوقود في العالم ارتفعت من 29 مليار دولار في عام 1970 إلى حوالي 535 مليار دولار في عام 1980، وارتفعت، جراء ذلك، قيمة تجارة الوقود من 7% من إجمالي التجارة العالمية إلى حوالي 21% على التوالي بين هذين التاريخين. وكانت الدلالة التاريخية المهمة لقرارات الأوبك بالنسبة للبلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة، هي انتهاء عصر الرخص الشديد للطاقة، وهو الرخص الذي شكل عاملاً أساسياً من عوامل نمو وتقدم هذه البلدان في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أثر ارتفاع السعر العالمي للنفط تأثيراً قوياً على جميع عمليات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوزيع في هذه البلدان، وهو التأثير الذي عرف في تلك الآونة تحت مصطلح "أزمة الطاقة". وقد لجأت البلدان الصناعية المستوردة للنفط إلى اتخاذ تدابير ثأرية، تمثلت في ذلك الارتفاع المصطنع الذي أحدثته في أسعار كثير من السلع الغذائية والوسيطة والاستثمارية التي تستوردها البلاد النامية. لكن تأثير تلك التدابير على البلاد النفطية كان تافها، لكنه كان تأثيرا عظيماً على البلاد النامية غيرالنفطية. كما زادت في هذه الفترة التدابير الحمائية ضد الصادرات المصنعة وغير المصنعة للبلاد النامية.
آثار حظر النفط
أما المجال الثاني الذي تجلى فيه استخدام العرب سلاح النفط في تلك الآونة فقد تمثل في حظر تصدير النفط إلى البلدان الغربية التي وقفت مع إسرائيل وانحازت لجانبها وقت اندلاع المعارك الحربية. وقد سبب هذا الحظر رعباً شديداً لهذه البلدان، نظراً لاعتمادها الشديد على بترول العرب باعتباره مصدراً رئيسياً للطاقة ومادة جوهرية تعتمد عليها الصناعات البتروكيماوية التي تستخدم كمدخلات وسيطة في آلاف الصناعات التحويلية. وكان استمرار هذا الحظر، وربطه بالصراع العربي الإسرائيلي وكأداة ضغط في المفاوضات الدولية لهذا الصراع يعني بشكل مباشر، حصاراً اقتصادياً خانقاً لمجموعة هذه البلدان. ولهذا سرعان ما اضطرت البلاد العربية النفطية إلى التخلي عن هذا الحظر بعد أقل من شهر واحد من انتهاء حرب أكتوبر، نظراً لما احتواه من مخاطر أمنية واستراتيجية على دول المنطقة.
وفيما يتعلق بالمجال الثالث الذي ظهر فيه استخدام النفط كسلاح بيد العرب آنذاك، فقد تمثل في استمرار تقديم الدعم المالي من البلاد العربية المصدرة للنفط إلى البلاد العربية التي تضررت من الحرب، وهو الدعم الذي كان قد تقرر في مؤتمر الخرطوم عقب هزيمة يونيو 1967 واستمر بعد حرب أكتوبر 1973. وقد تم هذا الدعم إما من خلال العلاقات الثنائية بين البلاد العربية النفطية والبلاد العربية التي احتلت أراضيها، أو من خلال تقديم القروض الميسرة من صناديق التمويل والتنمية العربية. وقد عكس هذا الدعم المالي درجة عالية من التضامن العربي في تلك الآونة.
وعلى الجانب الآخر، كان لثورة أسعار النفط التي نجح فيها سلاح التضامن العربي تداعيات مهمة في المنطقة العربية. فمن ناحية زادت الدخول القومية للبلاد العربية المصدرة للنفط زيادة هائلة، مكنتها من تنفيذ جرعات ضخمة من الاستثمار وبناء شبكة متقدمة من البنية التحتية وانشاء كثير من المدن الجديدة وبعض الصناعات التحويلية، وبالذات البتروكيماوية وصناعة مواد البناء والتشييد. كما زاد الانفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والاسكان ومشروعات الضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث قفزة هائلة في مستويات المعيشة. وفضلا عن ذلك، تبقت في هذه البلاد فوائض مالية ضخمة، راحت تبحث عن مجالات للتثمير المربح لها في الخارج وأصبحت تدر عوائد مالية ضخمة. ومنذ ذلك التاريخ اصبحت اقتصادات البلاد العربية النفطية تعتمد اعتمادا جوهريا على الريع النفطي. حيث أصبحت المؤشرات الاقتصادية ترتفع فيها بارتفاع هذا الريع، وتنخفض بانخفاضه. أما البلاد العربية غير النفطية، فقد تأثرت سلباً بارتفاع سعر النفط وارتفاع أسعار وارداتها الأخرى، مما أدى إلى زيادة عجز موازين مدفوعاتها زيادة كبيرة، مما اضطرها للاقتراض الخارجي. وجزء كبير من هذا الاقتراض كان مصدره الفوائض النفطية التي اعيد تدويرها للخارج . وقد تزايدت مديونية هذه البلاد زيادة كبيرة خلال عقد الثمانينيات وبالاضافة إلى الاقتراض الخارجي استطاعت البلاد العربية ذات العجز المالي ان تخفف من حدة الضغوط التي ولدها العجز بميزان المدفوعات من خلال إرسال شطر مهم من عمالتها الفنية وشبه الفنية والعادية للاشتغال بالبلاد النفطية، حيث لعبت تحويلات هؤلاء العاملين دوراً مهماً في زيادة موارد هذه البلاد من النقد الأجنبي. وهكذا، انقسمت البلاد العربية إلى بلاد ذات فائض ودائنية، وبلاد ذات عجز مالي ومديونية خارجية كبيرة.
ولا يجوز أن ننسى، أنه خلال عقد السبعينيات الذي اشتعلت فيه ثورة أسعار النفط، زاد الوعي بأهمية التعاون الاقتصادي العربي المشترك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستكمال مقومات التحرر الاقتصادي وتحقيق التنمية، والعمل على تغيير بنية الانتاج المحلي المعتمد على إنتاج المواد الأولية. وقد تجسد هذا الوعي وبلغ ذروته في قمة عمان عام 1980 بصدور "استراتيجية العمل العربي المشترك" و"ميثاق العمل الاقتصادي القومي" الذي وقعه الملوك والرؤساء العرب. كذلك يشهد التاريخ أنه خلال عقد السبعينيات، زادت الموارد المالية المتاحة لصناديق التنمية والتمويل العربية، وزاد حجم نشاطها، وظهرت كثير من المشروعات الاقتصادية العربية المشتركة.
وفي ضوء ما تقدم، كان من الجلي، أن استخدام سلاح النفط في معارك العرب القومية والاقتصادية قد بدأ يؤتي ثماره، وأن ثمة وعوداً ضخمة وآمالا عريضة لاستثمار هذه الثمار لصنع مستقبل أفضل للعرب في ظل صعود عام لحركة التحرر الوطني العربية . على أن النجاح النسبي الذي سجله العرب في استخدامهم لسلاح النفط في تلك الآونة كان في الحقيقة مرتبطاً بالعوامل التالية:
1 ـ
وحدة الصف العربي.
2 ـ
الجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة.
3 ـ
توافر الإرادة السياسية العربية.
4 ـ
الفاعلية النسبية للنظام العربي الإقليمي ومؤسساته المختلفة.
نزع سلاح النفط
كل ذلك، كان يوحي بأن المنطقة العربية أصبحت مؤهلة ـ بحكم موقعها ومساحتها وعدد سكانها ومواردها الاقتصادية والطبيعية والوعي العربي الجديد الصاعد فيها ـ مؤهلة لأن تكون منطقة خارج السيطرة والهيمنة الغربية، وأن تضع تنميتها ومستقبلها بما يتفق وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والأمنية. كما أن ذلك كان يوحي أيضا بإمكان استمرار صعود حركة التحرر الوطني العربية وصمودها أمام تحديات العدو الصهيوني.
على أن مجئ عقد الثمانينيات، وما حدث به من تطورات مذهلة، قد عجل بوضع نهاية لتلك الآمال، وتم نزع سلاح النفط من أيدي العرب، في ظل سياق تاريخي دولي وإقليمي معين، ولتدخل المنطقة بعد ذلك في حالة متردية من التفكك العربي وضعف التضامن بين البلاد العربية.
فعلى الصعيد العالمي، سرعان ما تنبهت البلدان الصناعية الرأسمالية لخطورة ترك سلاح النفط بيد العرب لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية. ولهذا حرصت على إجهاض ثورة أسعار النفط من خلال مجموعة من الإجراءات والسياسات المحسوبة بدقة، مثل ترشيد استخدام الطاقة، وزيادة استخدام بدائل النفط كالفحم والغاز والطاقة الشمسية والنووية، ومن خلال تكوين مخزونات نفطية هائلة تستخدم عند اللزوم للضغط على الاسعار في السوق النفطية، وزيادة انتاج النفط في دول أخرى غير أعضاء بالأوبك، والحرص على شق صفوف الدول الأعضاء بالاوبك وإذكاء الخلافات فيما بينها. وكل هذه الاجراءات والسياسات نجحت في النهاية في تحويل سوق النفط من سوق كان يسيطر عليها البائعون إلى سوق يسيطر عليها المشترون. ولهذا سرعان ما تدهورت أسعار النفط خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات تدهوراً بليغاً. وزاد من حدة هذا التدهور ان القوة الشرائية Purchasing Power لبرميل النفط قد تدهورت على نحو اكثر بسبب ارتفاع أسعار واردات البلاد المصدرة للنفط. كذلك نجحت مجموعة البلدان الصناعية الرأسمالية، يؤازرها في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في احتواء الفوائض النفطية العربية وإعادة ضخها عبر قنوات الاستثمار النقدي والمالي، في وقت ساد فيه التضخم، مما أدى إلى تآكل تلك الفوائض.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد شهد عقد الثمانينيات سلسلة من الأحداث الكارثية في المنطقة العربية التي أدت في النهاية إلى إضعاف فاعلية سلاح النفط، بل ونزعه تماما من أيدي العرب. ويأتي في مقدمة ذلك، اندلاع الحرب الإيرانية العراقية لمدة ثماني سنوات وما بددته من ثروات مالية وبشرية هائلة وما أدت إليه من ضغوط لزيادة ضخ وتصدير النفط العربي لتمويل مشتريات السلاح، وانفجار الحروب الأهلية في بعض البلدان العربية "مثل الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب الأهلية في جنوب السودان، والنزاع المغربي في جنوب الصحراء..." واشتعال الحروب مع بعض دول الجوار العربي، وتعميق الانكفاء على الذات ونمو النزعات القطرية بتزايد تكوين التجمعات العربية الإقليمية.
ثم جاءت الكارثة الكبرى باحتلال العراق للكويت في صيف عام 1990 وما سببته من شرخ عميق ومؤلم في الجدار العربي ومن تفكك شديد وضعف بين في النظام العربي الإقليمي.
وفي ضوء هذا الوضع العربي المتردي كان طبيعياً أن تصبح دول المنطقة من أكبر دول العالم استيراداً للسلاح وأن تتبدد أجزاء ضخمة من الفوائض النفطية والفوائض الاقتصادية العربية في هذا الاستيراد، وأن تتراجع معدلات التراكم والنمو والتوظف، ويتعرض مستوى المعيشة في كثير من البلاد العربية للتدهور. كذلك تزايدت المديونية الخارجية للبلاد العربية غير النفطية وذات العجز المالي وأصبحت قيداً ثقيلاً على حرية اتخاذ القرار فيها بعد الدخول في عمليات إعادة جدولة ديونها، وأن تفرض عليها عمليات التكيف الهيكلية والانفتاح والتحرير والعولمة والتخلص من القطاع العام كثمن لتأجيل دفع الديون، وإن كان ذلك قد تم تحت شعارات "الإصلاح الاقتصادي". ولاعجب، والحال هذه، أن تأخذ الحلول الفردية طريقها إلى دول المواجهة في صراعها مع العدو الصهيوني.
وإذا عدنا الآن، بعد ذلك كله، إلى طرح سؤالنا الجوهري، وهو: هل لا يزال النفط سلاحاً بيد العرب في الآونة الراهنة لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية.. فإننا لن نتردد بالرد على ذلك بالنفي. فمن الناحية الفعلية تم نزع سلاح النفط من أيدي العرب في ضوء التفاعلات القوية لتلك الاحداث سالفة الذكر التي حدثت على الصعيدين العالمي والإقليمي في الثمانينيات، واستمرت، بهذا القدر أو ذاك، بعد ذلك في عقد التسعينيات.
هل يعود السلاح لقوته؟
لكننا إذا طرحنا السؤال بصيغة الإمكان، وقلنا، هل من الممكن أن يعود النفط سلاحاً بيد العرب، مرة أخرى، لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية مستقبلا ? ، لقـلنا إنه على صعيد القضايا القومية، ليس من الوارد، لا حاليا ولا في المستقبل المنظور، أن يكون للنفط فاعلية تذكر في خدمة هذه القضايا، حيث خرج النفط تماما كسلاح من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بعد استشراء حالة التشرذم العربي والانكفاء على الذات وبعد تبني دول المواجهة الحلول الانفرادية وخيار السلام. كما أنه بسبب الحالة الراهنة للتفكك العربي وتبدل علاقات القوى والأمن بالمنطقة، ليس من الوارد أن يستخدم سلاح النفط في دعم المفاوض العربي مع العدو الإسرائيلي.
أما على صعيد القضايا الاقتصادية، ويأتي في مقدمتها بناء مشروع التنمية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فإن ثمة، امكانات كبيرة لاستخدام سلاح النفط لخدمة تلك القضايا. لكن ذلك يبقى رهنا بتوافر شروط معينة. وهذه الشروط يمكن تفريعها إلى خطين رئيسيين.
الخط الأول يتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة لأن يبقى للنفط سعر عالمي مجز. وقد توصلت الأوبك في اجتماعها في شهر مارس 2000 بمدينة فيينا إلى آلية معينة تأخذ بها لأول مرة في تاريخها. وتهدف هذه الآلية إلى الحفاظ على مستوى سعر البرميل فيما بين 22 و28 دولارا أمريكيا. فإذا انخفض السعر إلى أقل من 22 دولارا قامت الأوبك بتخفيض إنتاجها، وإذا تجاوز السعر 28 دولاراً، فإنها تقوم بزيادة إنتاجها.
ولا يخفى أن الحفاظ على هذه الآلية يتطلب من الدول العربية الأعضاء بالأوبك ـ وهي ذات وزن محترم فيما يتعلق بحجم الإنتاج والتصدير ـ أن تبذل جهداً مكثفا للحفاظ على وحدة الموقف بين الدول الأعضاء بالأوبك والتمسك بقرارات حصص الإنتاج واحترام تنفيذها. لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها الأوبك في هذا الخصوص، هي أن حجم وطبيعة المشكلات التي تواجهها الدول الأعضاء، وتؤثر من ثم في قرارات الإنتاج، تختلف اختلافاً كبيراً فيما بينها. ففنزويلا ونيجيريا وأندونيسيا على سبيل المثال من الدول ذات المديونية الخارجية الثقيلة، وأن عبء هذه المديونية يسبب لها ارهاقاً مالياً شديداً، في حين أن المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات ذات فائض ودائنية خارجية. كما أن متوسط دخل الفرد في نيجيريا 280 دولاراً، في حين يبلغ هذا المتوسط 7150 دولاراً في المملكة العربية السعودية "طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 1999". وهذا الاختلاف الشاسع في الظروف الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يجعل هناك صعوبة في احترام حصص الإنتاج المقررة. لهذا يقترح كاتب هذه السطور ضرورة إنشاء صندوق طوارئ لبلدان الأوبك، تكون مهمته تقديم القروض الميسرة إلى البلد العضو الذي يواجه مآزق اقتصادية حتى لا يضطر إلى زيادة حجم إنتاجه من النفط فوق ما هو متفق عليه.
ولما كان السلوك الإنتاجي والتصديري للدول غير الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يسبب المشكلات لاستقرار أسعار النفط، فإنه قد يكون من المفضل السعي إلى ضم بعض هذه الدول إلى عضوية الأوبك حتى ترتبط مصالحها بباقي مصالح الدول الأعضاء.
وفي جميع الأحوال يجب على الأوبك أن تتصدى لمحاولات الضغط عليها من قبل بعض البلدان الصناعية المتقدمة للتأثير على سياستها السعرية.
أما الخط الثاني في مقترحاتنا، فيتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة إلى استخدام النفط في بناء مشروع التنمية الاقتصادية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي. ويأتي في مقدمة هذه المقترحات، ضرورة تصنيع النفط وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية حتى يمكن الحصول على مردود أعلى بدلا من تصديره كمادة خام. كذلك من المهم تعزيز ودعم الخدمات المكملة لتجارة النفط، مثل خدمات الشحن والنقل والتأمين.. إلى آخره.
وفيما يتعلق بإمكانات استخدام النفط في دعم جهود التكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فهي قضية معقدة ولن يتسع المجال للخوض فيها هنا. لكنا نكتفي هنا بالإشارة إلى أن الأمر يتطلب عودة التضامن العربي، وعودة الوعي بأهمية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتفعيل مؤسسات النظام العربي الإقليمي، في ضوء مبدأ النفع المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، واحترام السيادة القطرية، مع الاستفادة من خبرات الماضي بحلوها ومرها.
الفرصة باقية
وصفوة القول، لقد كان النفط، في فترة ما ـ ولمدة وجيزة ـ سلاحاً بيد العرب لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية، حينما كانت هناك وحدة في الصف العربي، وحينما كانت هناك ارادة سياسية قوية، وتعاون عربي وثيق. أما الآن فقد تم نزع هذا السلاح من أيدي العرب في ضوء عوامل الضعف والتفكك العربي التي تراكمت على الصعيدين العالمي والإقليمي، مع ذلك، يظل هذا السلاح ممكنا لاستخدامه في خدمة القضايا الاقتصادية العربية لو توافرت شروط معينة.
منتدى شباب الاقتصاديين المصريين :: المنتدى الأقتصادي
:: الأراء و المقالات الاقتصادية :: منتدى دكتور رمزي زكي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى