موازنة الثورة منزوعة الدسم.. د. إبراهيم العيسوي
صفحة 1 من اصل 1
موازنة الثورة منزوعة الدسم.. د. إبراهيم العيسوي
إبراهيم العيسوي يكتب:
زد على ذلك أنها تكاد تكون موازنة انكماشية، بينما كان إنعاش الاقتصاد بعدما عاناه من تراجع (وإن كان من المؤكد أنه لم يصل إلى حد الانهيار كما يروج البعض) يستوجب العمل وفق موازنة توسعية. وهذه الأوصاف لا تعنى خلو الموازنة الجديدة من بعض الإيجابيات التى نذكر منها رفع الحد الأدنى للأجور إلى 700 جنيه، ورفع حد الإعفاء الضريبى من 9 إلى 12 ألف جنيه، وإضافة شريحة جديدة للضريبة التصاعدية بسعر 25% للدخل الذى يزيد على 10 ملايين جنيه، وزيادة المخصص للإسكان الاجتماعى. ولكن الوزن النسبى لهذه الإجراءات ضئيل جدا، وذلك إذا أخذنا فى الاعتبار ضعف استجابة الموازنة فى مجملها للاحتياجات الاجتماعية من جهة أولى، وإذا أضيفت إلى الصورة التطورات السلبية فى عدد من بنود الموازنة من جهة ثانية، وإذا وضعنا فى الاعتبار ما كان يمكن إنجازه بإتباع أخرى كتلك التى سنذكرها فيما بعد لزيادة الإيرادات وخفض النفقات غير الضرورية أو التى يمكن تأجيلها من جهة ثالثة.
ويمكن التعرف على خصائص الموازنة الجديدة من خلال بعض الأمثلة. إن الأنصبة النسبية لعدد من القطاعات ذات الأهمية من منظور العناية بالبشر تكاد تكون ثابتة، بل إن بعضها قد تراجع. فنصيب قطاع الصحة من الإنفاق العام ينخفض قليلا من 4.9% فى 2010/2011 إلى 4.8% فى موازنة 2011/2012. وكذلك الحال مع قطاع التعليم الذى انخفض نصيبه من 11.4%إلى 10.6%. ونصيب قطاع حماية البيئة يبقى ثابتا عند نسبة هزيلة لا تزيد على 0.3% من الإنفاق العام. وبالرغم من أن الأرقام المطلقة للإنفاق على هذه القطاعات سوف تزداد بالأسعار الجارية بنسبة 17% للصحة و10% للتعليم، و6% لحماية البيئة، فإن أخذ معدل التضخم المتوقع رسميا فى الحسبان وهو 13% ــ 14% (بمتوسط 13.5%) يعنى أن الإنفاق الحقيقى لن يزيد بأكثر من 3.5% بالنسبة للصحة، وأنه ينخفض بنسبة 3.5% بالنسبة للتعليم، وينخفض أيضا بنسبة7.5% فى قطاع حماية البيئة.
وفيما يخص إجمالى الأجور، فإنه بالرغم من أنه سيزيد على العام الماضى بنسبة 22.6% بالأسعار الجارية، إلا أن الزيادة الحقيقية فى حدود 9%. كما أن نصيب الأجور فى الإنفاق العام لن يزيد بأكثر من 1.6 نقطة مئوية (من 22.4% إلى 24%). أما فيما يتعلق بالاستثمارات الحكومية التى يمكن أن يكون لها صلة بتحسين الخدمات وزيادة فرص العمل، يلاحظ زيادة نصيبها فى الإنفاق العام زيادة ضئيلة للغاية من 9.4% إلى 9.6%. وبالرغم من أن المبلغ المخصص لها فى الموازنة يزيد بنسبة 16.3% بالأسعار الجارية، فإن استبعاد التضخم المتوقع يجعل نسبة الزيادة الحقيقية 2.8% فقط.
وبالنظر فى رقم الإنفاق الكلى نجد أنه سيرتفع من 427 إلى 490 مليار جنيه، أى أنه سيشهد زيادة بنسبة 14.7%. ولكن هذه هى الزيادة بالأسعار الجارية. وعندما يستبعد أثر التضخم وفق التوقعات الرسمية، يتبين أن الزيادة الحقيقية فى الإنفاق العام هى 1.2% فقط لا غير!وهذا ما دعانى لوصف الموازنة الجديدة بأنها موازنة انكماشية لا يتوقع معها تحسن يذكر فى مستوى معيشة المواطنين أو انخفاض يذكر فى مستويات الفقر والبطالة.
وهذا التطور غريب بالنظر إلى أن خطة السنة الجديدة تستهدف رفع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى من 2.6% فى 2010/2011 إلى 3.2% فى 2011/2012. ولكنه يبين ضآلة التأثير المتوقع من الشريحة الجديدة للضريبة التصاعدية، حيث ستظل الدخول من 40 ألفا إلى 10 ملايين جنيه تخضع لسعر 20%.
كما أنه يظهر أثر التراجع السريع عن فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية تحت ضغوط رجال الأعمال الذين لا يريدون المشاركة فى تحمل جانب من الأعباء التى تقتضيها الاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية للثورة.
وعلى ذلك، ستعانى الموازنة عجزا مقداره 134.3 مليار جنيه. وهنا تتضح مرة أخرى السمة الانكماشية للموازنة. إذ إن نسبة العجز إلى الناتج المحلى ستنخفض من 9.5% فى 2010/2011 إلى 8.6% فى الموازنة الجديدة. وعلى خلاف مشروع سابق للموازنة قدر فيه العجز بمبلغ 171مليار جنيه، وكان من المقترح تمويله بنسبة 80% قروضا داخلية و20% قروضا ومنحا وهبات خارجية، فإن الموازنة التى رأى المجلس العسكرى تعديلها بالابتعاد عن القروض الخارجية ــ لاسيما قروض البنك الدولى ــ سيتم تمويل عجزها باللجوء للقروض الداخلية بنسبة 96.3%. وعلى ذلك سيزيد الدين الحكومى المحلى من 979 مليار جنيه إلى 1109 مليار جنيه، بنسبة زيادة 13.2%، وهو ما يمثل 70.6% من الناتج المحلى الإجمالى. وبإضافة الدين الخارجى الذى سيزيد بنحو 4.5 مليار جنيه (ولن يبقى ثابتا تماما كما قد يفهم من تصريحات بعض الرسميين)، فإن نسبة إجمالى الدين الحكومى تصل إلى 83% من الناتج المحلى الإجمالى.
مخصصات قطاعات حيوية مثل قطاع التعليم (نقص 2.6 مليار جنيه)، وقطاع الإسكان (نقص 4.2 مليار جنيه)، وقطاع الصحة (نقص نصف مليار جنيه). وهذه توجهات سيئة بالنظر إلى الأوضاع المتردية لهذه القطاعات.
الداخلية التى تثقل كاهل الأجيال الحالية والأجيال القادمة وتنتقص من احتمالات استدامة التنمية.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى