طلب العلم
صفحة 1 من اصل 1
طلب العلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..... أما بعد :-
أخواني الكرام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الناس من جهة التمثال أكفــــــــــــــــــاء # أبوهم آدم والأم حـــــــــــــــــــــــــــــواء
فإن يكن لهم في أصلهم شـــــــــــــــرف # يــــــــــــفاخرون به فالطين والمـــــــاء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنـــــــــــــهـــم # عـــــــــــــلى الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كــــل امرئ ما كان يحسنـــــــــــه # والجــــــاهلون لأهل العلم أعـــــــــداء
ففز بعلم تعش حــياً به أبـــــــــــــــــــــداً # الناس موتى وأهل العلم أحيـــــــــــــاء
أيها الأخوة الأعزاء:-
إن العلم حياة للقلوب ، ونور للبصائر ، وهو شفاء الصدور ، ورياض العقول ، ولذة الأرواح ، وأنس المستوحشين ، ودليل المتحيرين .
يقول معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه :
( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، والأنيس في الوحشة ، والصاحب في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، والزين عند الأخلاء ، والقرب عند الغرباء ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخلق قادة يُقتَدى بهم ، وأئمة في الخُلُق تقتص آثارهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة في حبهم ، بأجنحتها تحفهم ، لأن العلم حياة القلوب من العمى ، ونور الأبصار من الظلمة ، وقوة الأبدان من الضعف ، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة ، به يطاع الله عز وجل ، و به يعبد ، و به تُوصل الأرحام ، و به يُعرف الحلال من الحرام ، إمام العمل ، والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء ).
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمهـــــــــــــا # متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بهــــــــــا # وإن أبى عاد في أكتافها التـلف
وإن أمة ترضى بالجهل ، وتتقاعس عن العلم ، وتنصرف عن العناية به وبأهله ، لخليقة بأن تدفع الثمن غالياً ، والضريبة مضاعفة ، فلقد شهدت السنن الربانية ، وسطر التاريخ الإنساني ، ونطق الواقع ، بأن للجهل آثاراً وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع .
العلم مال المعدمين إذا هُــــــــــم # خرجوا إلى الدنيا بغير حطـــــام
وأخو الجهالة في الحياة كأنــــــه # ساع إلى حرب بغير حســــــــام
والجهل يخفض أمة ويذلهـــــــــا # والعلم يرفعها أجل مقـــــــــــــــام
أيها الأخ العزيز :-
لقد بين الحق سبحانه وتعالى فضل العلم وأهله ، فقال جل من قائل عليما ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر 28 ] وقال في مُحكم التنزيل ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) [ الزمر 9 ] وقال سبحانه( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [ المجادلة 11]
وحثنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم على طلب العلم وتلقيه ، وبيّن أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد لعبده الخير علمه الدين وفقهه فيه ، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [1]
وقد بين لنا عليه الصلاة والسلام كذلك أن سبل دخول الجنة كثيرة وعديدة ، ومن بينها طلب العلم ، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه)[2]
وطالب العلم يعد مجاهداً في سبيل الله تعالى ، من لحظة خروجه حتى ساعة رجوعه ، فعن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج في طلب العلم ، كان في سبيل الله حتى يرجع )[3]
ولقد بين لنا صلى الله عليه وسلم أيضا ، أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، وأن العالم يستغفر له الكون أجمع ، رضاً بما يصنع ، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر )[4]
أخي – يا رعاك الله – :
تأمل هذا التصوير البياني الرائع ، في فضل العلم والعمل به ، وذلك في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) [5]
أخوة الإيمان :
لقد كانت حال سلف الأمة في طلب العلم حالا عجيبة ، استثمروا فيه أوقاتهم ، وأفنوا فيه أعمارهم ، فحصلوا منه ما يدعوا إلى الدهشة ، ويبهر الألباب ، ويستنهض الهمم ، ويشحذ العزائم .
فهذا الإمام البخاري رحل إلى كثير من البلدان ، وجاب كثيراً من الأقطار ، وسمع من أكثر من ألف شيخ ، وكان يستيقظ من النوم ، فيوقد السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطره ، ثم ينام ثم ينتبه ، حتى إنه في بعض الليالي يعمل هذا عشرين مرة .
وقال أبو زرعة الرازي ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث "أي مليوناً " ، قيل له ما يدريك ؟ قال : ذاكرته وأخذت عليه الأبواب ) .
ونحن نتساءل :-
كم منا من يحفظ ألف حديث ؟
بل : -
كم منا من يحفظ الأربعين النووية حفظاً دقيقاً ؟
أيها الأخوة الأفاضل :-
إن اقتران العلم بالعمل قضية كبرى ، ومسألة جوهرية في حياة العلماء وطلاب العلم ، فإن العمل هو المقصود الأعظم من العلم ، فلا قيمة للعلم بدون العمل ، فالعلم يهتف بالعمل ، فإن أجاب وإلا ارتحل .
إذا العلم لم تعمل به كان حجـــــــة # عليك ولم تعذر بما أنت جاهلــــــــــــه
فإن كنت قد أوتيت علماً فإنمـــــــا # يصدق قول المرء ما هو فاعلـــــــــــه
قال عطاء : -
كان فتى يـختلف إلى عائشة رضي الله تعالى عنها فيسألها وتحدثه ، فجاء ذات يوم يسألها ، فقالت : يا بني هل عملت بما سمعت ؟ فقال : لا والله يا أمه ؟ قالت : ففيم تستكثر من حجج الله علينا وعليك .
أخي الكريم :
اعلم أن من أبرز أسباب نسيان العلم وتضييعه ، وسوء حفظه ، كثرة المعاصي والسيئات .
فهذا الإمام الشافعي يقول :
شكوت إلى وكيع سوء حفظــــــــــي # فأرشدني إلى ترك المعاصـــــي
وأخبرني بأن العلم نـــــــــــــــــــــور # ونور الله لا يعطى لعاصــــــــــي
ورحم الله من قال :-
يا صاحب العلم مهلاً لا تدنســـــــــــــه # بالموبقات فما للعلم من خلــــــف
العلم يرفع بيتاً لا عماد لـــــــــــــــــــه # والجهل يهدم بيت العز والشـــرف
أخي – يا رعاك الله – :-
وقبل الوداع ، أحب أن أذكركم بأهمية الإخلاص في طلب العلم ، وإن العلم وبال على صاحبه إن طلبه لغير وجه الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار )[6] وقال عليه الصلاة والسلام:- ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها )[7] .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
[1] متفق عليه
[2] رواه مسلم
[3] رواه الترمذي
[4] رواه الترمذي
[5] متفق عليه
[6] رواه الترمذي
:: الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..... أما بعد :-
أخواني الكرام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الناس من جهة التمثال أكفــــــــــــــــــاء # أبوهم آدم والأم حـــــــــــــــــــــــــــــواء
فإن يكن لهم في أصلهم شـــــــــــــــرف # يــــــــــــفاخرون به فالطين والمـــــــاء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنـــــــــــــهـــم # عـــــــــــــلى الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كــــل امرئ ما كان يحسنـــــــــــه # والجــــــاهلون لأهل العلم أعـــــــــداء
ففز بعلم تعش حــياً به أبـــــــــــــــــــــداً # الناس موتى وأهل العلم أحيـــــــــــــاء
أيها الأخوة الأعزاء:-
إن العلم حياة للقلوب ، ونور للبصائر ، وهو شفاء الصدور ، ورياض العقول ، ولذة الأرواح ، وأنس المستوحشين ، ودليل المتحيرين .
يقول معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه :
( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، والأنيس في الوحشة ، والصاحب في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، والزين عند الأخلاء ، والقرب عند الغرباء ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخلق قادة يُقتَدى بهم ، وأئمة في الخُلُق تقتص آثارهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة في حبهم ، بأجنحتها تحفهم ، لأن العلم حياة القلوب من العمى ، ونور الأبصار من الظلمة ، وقوة الأبدان من الضعف ، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة ، به يطاع الله عز وجل ، و به يعبد ، و به تُوصل الأرحام ، و به يُعرف الحلال من الحرام ، إمام العمل ، والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء ).
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمهـــــــــــــا # متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بهــــــــــا # وإن أبى عاد في أكتافها التـلف
وإن أمة ترضى بالجهل ، وتتقاعس عن العلم ، وتنصرف عن العناية به وبأهله ، لخليقة بأن تدفع الثمن غالياً ، والضريبة مضاعفة ، فلقد شهدت السنن الربانية ، وسطر التاريخ الإنساني ، ونطق الواقع ، بأن للجهل آثاراً وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع .
العلم مال المعدمين إذا هُــــــــــم # خرجوا إلى الدنيا بغير حطـــــام
وأخو الجهالة في الحياة كأنــــــه # ساع إلى حرب بغير حســــــــام
والجهل يخفض أمة ويذلهـــــــــا # والعلم يرفعها أجل مقـــــــــــــــام
أيها الأخ العزيز :-
لقد بين الحق سبحانه وتعالى فضل العلم وأهله ، فقال جل من قائل عليما ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر 28 ] وقال في مُحكم التنزيل ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) [ الزمر 9 ] وقال سبحانه( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [ المجادلة 11]
وحثنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم على طلب العلم وتلقيه ، وبيّن أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد لعبده الخير علمه الدين وفقهه فيه ، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [1]
وقد بين لنا عليه الصلاة والسلام كذلك أن سبل دخول الجنة كثيرة وعديدة ، ومن بينها طلب العلم ، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه)[2]
وطالب العلم يعد مجاهداً في سبيل الله تعالى ، من لحظة خروجه حتى ساعة رجوعه ، فعن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج في طلب العلم ، كان في سبيل الله حتى يرجع )[3]
ولقد بين لنا صلى الله عليه وسلم أيضا ، أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، وأن العالم يستغفر له الكون أجمع ، رضاً بما يصنع ، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر )[4]
أخي – يا رعاك الله – :
تأمل هذا التصوير البياني الرائع ، في فضل العلم والعمل به ، وذلك في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) [5]
أخوة الإيمان :
لقد كانت حال سلف الأمة في طلب العلم حالا عجيبة ، استثمروا فيه أوقاتهم ، وأفنوا فيه أعمارهم ، فحصلوا منه ما يدعوا إلى الدهشة ، ويبهر الألباب ، ويستنهض الهمم ، ويشحذ العزائم .
فهذا الإمام البخاري رحل إلى كثير من البلدان ، وجاب كثيراً من الأقطار ، وسمع من أكثر من ألف شيخ ، وكان يستيقظ من النوم ، فيوقد السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطره ، ثم ينام ثم ينتبه ، حتى إنه في بعض الليالي يعمل هذا عشرين مرة .
وقال أبو زرعة الرازي ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث "أي مليوناً " ، قيل له ما يدريك ؟ قال : ذاكرته وأخذت عليه الأبواب ) .
ونحن نتساءل :-
كم منا من يحفظ ألف حديث ؟
بل : -
كم منا من يحفظ الأربعين النووية حفظاً دقيقاً ؟
أيها الأخوة الأفاضل :-
إن اقتران العلم بالعمل قضية كبرى ، ومسألة جوهرية في حياة العلماء وطلاب العلم ، فإن العمل هو المقصود الأعظم من العلم ، فلا قيمة للعلم بدون العمل ، فالعلم يهتف بالعمل ، فإن أجاب وإلا ارتحل .
إذا العلم لم تعمل به كان حجـــــــة # عليك ولم تعذر بما أنت جاهلــــــــــــه
فإن كنت قد أوتيت علماً فإنمـــــــا # يصدق قول المرء ما هو فاعلـــــــــــه
قال عطاء : -
كان فتى يـختلف إلى عائشة رضي الله تعالى عنها فيسألها وتحدثه ، فجاء ذات يوم يسألها ، فقالت : يا بني هل عملت بما سمعت ؟ فقال : لا والله يا أمه ؟ قالت : ففيم تستكثر من حجج الله علينا وعليك .
أخي الكريم :
اعلم أن من أبرز أسباب نسيان العلم وتضييعه ، وسوء حفظه ، كثرة المعاصي والسيئات .
فهذا الإمام الشافعي يقول :
شكوت إلى وكيع سوء حفظــــــــــي # فأرشدني إلى ترك المعاصـــــي
وأخبرني بأن العلم نـــــــــــــــــــــور # ونور الله لا يعطى لعاصــــــــــي
ورحم الله من قال :-
يا صاحب العلم مهلاً لا تدنســـــــــــــه # بالموبقات فما للعلم من خلــــــف
العلم يرفع بيتاً لا عماد لـــــــــــــــــــه # والجهل يهدم بيت العز والشـــرف
أخي – يا رعاك الله – :-
وقبل الوداع ، أحب أن أذكركم بأهمية الإخلاص في طلب العلم ، وإن العلم وبال على صاحبه إن طلبه لغير وجه الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار )[6] وقال عليه الصلاة والسلام:- ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها )[7] .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
[1] متفق عليه
[2] رواه مسلم
[3] رواه الترمذي
[4] رواه الترمذي
[5] متفق عليه
[6] رواه الترمذي
البرنس لطفى- عضو نشيط
- العمر : 25
تاريخ التسجيل : 23/04/2011
عدد المساهمات : 75
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى